الأخيرةثقافة وفنفي الواجهة

مسرحيون عرب يحتفون بيومهم العربي ويؤكدون: “نريد مسرحا حراً لا يعترف برقابة ولا تحده حدود”

  • “في زمن صراع الحضارات تغدو الحاجة إلى المسرح ملحة أكثر”

 يحتفل المسرحيون العرب اليوم بيومهم العربي، الذي تم اعتماده مؤخرا بتوصيات لمؤتمر وزراء الثقافة العرب الذي عقد ديسمبر الماضي، في إكسبو دبي، وبطلب من الهيئة العربية للمسرح وبالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “أليكسو”، الذي كانت تحتفل بهذا اليوم منذ عام 2008، ويأتي قرار الوزراء العرب ليكون العاشر من جانفي مناسبة رسمية للاحتفال بالمسرح في البلدان العربية كافة.

هذا التقليد السنوي المسرحي كان قد انطلق أولاً من الشارقة عاصمة الثقافة العربية، واعتادت الهيئة العربية على الاحتفال باليوم العربي للمسرح في العاشر من جانفي من كل عام وتختار أحد المسرحيين العرب البارزين على كتابة رسالة المسرح العربي وتلاوتها، وقد اختارت الأمانة العامة للهيئة العربية للمسرح هذه السنة الفنان اللبناني رفيق علي أحمد ليكون صاحب رسالة اليوم العربي للمسرح وبهذا يكون رفيق علي أحمد القامة العربية الخامسة عشرة التي تلقي رسالة اليوم العربي للمسرح التي انطلقت في العاشر من جانفي 2008، حيث بدأت برسالة الدكتور يعقوب الشدرواي من لبنان، ثم سميحة أيوب من مصر، وعز الدين المدني من تونس، ويوسف العاني من العراق، وسعاد عبد الله من الكويت، وثريا جبران من المغرب، والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي من الإمارات، الدكتور يوسف عايدابي من السودان، وزيناتي قدسية من فلسطين، وحاتم السيد من الأردن، وفرحان بلبل من سوريا، وسيد أحمد أقومي من الجزائر، وخليفة العريفي من البحرين، والهيئة العربية للمسرح ممثلة بأمينها العام اسماعيل عبد الله.

.. الفنان رفيق علي أحمد في رسالته “المسرح يحقق ما يصبو إليه إلاّ إذا كان حراً لا يعترف بالرقابة”

اعتبر الفنان اللبناني رفيق علي أحمد كاتب رسالة اليوم العربي للمسرح التي سيلقيها اليوم في إمارة الشارقة بمناسبة اليوم العربي للمسرح، والتي جاءت تحت عنوان تحت عنوان: الحياة مسرح، المسرح حياة ” أننا في زمن صراع الحضارات تغدو الحاجة إلى المسرح ملحة أكثر لأن عالمنا يتعرض لمحاولة تدمير ممنهج من خلال فرض ثقافة واحدة تحت شعار عولمة متوحشة، وفي ظل هذا الواقع يقف المسرح في خط المواجهة الأمامي لأنه يمثل المختبر الأهم للتفاعل بين الأفراد والجماعات ويشكل مكان تعارف والتقاء لأجل سلام البشر” مضيفا “ومع تعثر الحوار أو انعدامه بين الأنظمة السياسية والحكومات يبرز دور اللعبة المسرحية برمتها فما هي إلا عبارة عن حوار متعدد الأشكال والاتجاهات وداماً في سبيل الإنسان وحقه في حياة أفضل”.

ثم تناول في كلمته واقع المسرح في العالم كله، معتبراً أنه يمر بأزمة حادة، واستنتج بأن الأزمة مضاعفة مع المسرح العربي لأنها تأتي ضمن أزمات أعم وأشمل في السياسة والاقتصاد والاجتماع، وسترجع بهذا الصدد التوصيات التي خلص إليها أول مهرجان مسرحي عقد في دمشق قبل 40 عاماً، ووجد أنه من يومها وحتى الآن لا شيء تغير، الأزمة نفسها، النقاشات نفسها، وواقع الحال نفسه.

كما تناول الفنان  رفيق أحمد في كلمته عن غربة بين المسرح والجمهور والسبب حسبه أن أبناء مجتمعاتنا لا يرون أنفسهم ولا واقعهم في الأعمال التي تقدم لهم، ومن أهم أسباب هذه الغربة هو التغريب الذي وقع فيه الكثيرون منا، وأشار في كلمته إلى دور المهرجانات من خلال ظاهرة تشجيع ظاهرة تقليد الأساليب الغربية لبعض المسرحيين طمعاً في جوائز عالمية وتمتلئ القاعات بالمسرحيين المشاركين في أعمال يسمونها نخبوية في ظل غياب مؤسف للجمهور، كما تطرق أيضا إلى موضوع هجرة مسرحيين إلى التلفزيون كسباً للرزق والشهرة  وغياب اهتمام وزارات الثقافة العربية عن دعم التربية الفنية والمسرحية في المناهج المدرسية، ثم عرّج على الرقابة من قبل رجال السياسة والدين والأمن يقفون في وجه رجل واحد هو رجل المسرح ووصف الرقابة على الإبداع بأنها الموت نفسه، وبعدها انتقل إلى ضعف الميزانيات المادية الموظفة للمسرح.

وخلص الفنان رفيق علي أحمد في كلمته باسم المسرحيين العرب إلى أن السؤال الأكثر إلحاحاً الذي يوجههم كمسرحيين عرب هو كيف نعيد وصل ما انقطع مع الأجيال الشابة التي تتطلع لمشاركتهم وختم كلمته قائلاً” لن يتسنى للمسرح تحقيق ما يصبو إليه إلاّ إذا كان حراً لا يعترف برقابة ولا تحده حدود لينتج ويقدم ما يعبر عن هويتنا الثقافية والإنسانية التي تشكل مكوّناً عضوياً من هوية العالم برمته”.

.. الأمين العام للهيئة العربية للمسرح: “اليوم العربي للمسرح يوماً للتفكر والتمعن والتدبير”

من جهته وبذات المناسبة صرح الأمين العام اسماعيل عبد الله قائلاً” إن اليوم العربي للمسرح الذي تميز برسالة قامة عربية مبدعة وتوالى على تقديمها نخبة من المبدعين أصحاب البصمة الجلية في حياتنا المسرحية، صار يوماً للتفكر والتفكير، والتمعن والتدبير، فرسائل المبدعين منارات على الدرب، ومشاعل حين تدلهم العتمة، وخلاصات التجارب والمعاني، وما اختيارنا للفنان الكبير رفيق علي أحمد إلا اختياراً للوعي، للتجربة، للحكمة والبصيرة، اختياراً لخميرة وعصارة تجربة متفردة يحق لصاحبها أن يقول ويكشف ويثري ويغني، وبهذه المناسبة نؤكد أن معيارنا في اختيار اصحاب الرسائل كان دوماً الانحياز للتجربة والأثر، والإيمان بأن لدى مبدعينا ما يقولون للمسرح والحياة.”

المخرج التونسي وليد دغسني “مازال المسرح في العالم العربي فعلا هامشيا “

كما عبر بالمناسبة عدد من المسرحين العرب باعتزازهم بهذا القرار الذي سيكون حافزا لتطوير الحركة المسرحية العربية وتغير توجهاتها ومنحها، حيث قال المخرج التونسي وليد دغسني في كلمته “مازال المسرح في العالم العربي فعلا هامشيا وغير ذي قيمة عند كل الحكومات، ولم يصل صداه للجماهير الواسعة والمتعشطة للفن فبقي مغمورا ومحتشما بل ومجرّما” متابعا قوله ” فلا يمكن اليوم أن نتحدث عن تجارب عربية قادرة على الحضور العالمي بالنظر إلى ضآلة الامكانيات ورداءة التكوين وقلّة الموارد وتحوّل المسرح من فعل حضاري وقيمي إلى مجرّد زينة واحتفاء خادع، فعلى المسرحي العربي أن يبتعد عن المتفق والمتعارف، ويرسم خرائط جمالية جديدة ليتجاوز حضوره الباهت في سياقات اجتماعية وسياسة ودينيّة تحاربه علنا او في الخفاء ولا تعترف بوجوده أصلا”.

اللبنانية شادية زيتون: “لا يمكن للمسرح العربي أن يلعب دوره مادام يتعارض مع توجهات الجهات الرسمية”

من جهتها قالت السينوغراف اللبنانية شادية زيتون دوغان “لا يمكن للمسرح في عالمنا العربي أن يلعب دوره الفاعل والمؤثر في رقي المجتمع مادام يتعارض مع توجهات الجهات الرسمية المتمسكة بخطابها الإيديولوجي المتخلف وجهلها المتوارث وتسلطها على الشعب الراضخ المستسلم لما يخطط له ويملى عليه وما دام أيضا يفتقر إلى الدعم المادي والمعنوي من قبل القابضين الأشرار في سدة المسؤولية لهذه الجهات ، ولا جدال حول ذلك ، فهذا ما يطفو واضحا على سطح الحقيقة ، وعلى المخطط المرسوم يعيش معظم المسرحيين على قشور المظاهر وإرضاء الذات وبما لا يرضي المسرح” مضيفة “واليوم ، في اليوم العربي للمسرح ، لا بد من الاعتراف بجهود الهيئة العربية للمسرح الداعمة بكل إمكانياتها من اجل بناء أجيال تهدم مستقبلا كل البنى الفكرية المريضة و المزيفة، إضافة إلى كل الجهات التي تعمل في ذات الهدف” .

.. العراقي محمد حسين حبيب: يستحق مسرحنا العربي ان يكون له عيدا خاصا به”

أما الدكتور محمد حسين حبيب من العراق قال في كلمته “يستحق مسرحنا العربي ان يكون له عيدا خاصا به ، فقد اعتدنا منذ اكثر من نصف قرن ان نحتفل بعيد او يوم المسرح العالمي الذي يوافق سنويا في 27 مارس من كل عام ، لكن جاءت مبادرة الهيئة العربية للمسرح التي اقترحت تاريخ العاشر من جانفي من كل عام عيدا او يوما خاصا بالمسرح العربي والذي يوافق مع مهرجان المسرح العربي الذي تقيمه الهيئة العربية للمسرح ويتم منح اهم جائزة مسرحية عربية وهي جائزة الشيخ سلطان القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي تم انتاجه في العام المنتهي” مستطردا قوله “..لقد اعتدنا عربيا ومنذ عام 2008 الاحتفال بهذا وكذلك تكليف شخصية مسرحية عربية بارزة في منجزها لكتابة رسالة المسرح العربي السنوية”.

..اللبناني هشام زين الدين: خائف على المسرح”

أما الدكتور هشام زين الدين من لبنان فقال في كلمته التي عنونها بـ  “خائف على المسرح” بمناسبة اليوم العربي للمسرح هذا العام، أشعر بالخوف، كأني أقف على رصيف ميناء أودع حبيباً لن يعود، كأن هذا المسرح الذي وهبته حياتي ووهبني سعادتي يهرب مني، شعور لا استطيع تبريره، لا أصدقه أو لا أريد تصديقه، كأنني تعرضت للخيانة من حبيب أقسمت وإياه أن نعيش العمر معاً وها هو يختفي أو يكاد، وأضاف كما الجريدة والكتاب والمجلة وكل الفنون الحية الأخرى التي تتلاشى وتختفي من حياتنا، لماذا سيبقى المسرح في حياتنا وهو لم يترسخ فيها بعد؟ يراودني هذا السؤال دائماً، في عالم متغير لاهث خلف المادة بكل أشكالها، اعتاد البشاعة والقبح وبات ينتجهما ويروّج لهما ويستهلكهما، ويحوّل كل نبض حي الى موجة الكترونية بلا روح، عالم استبدل الآلهة والطبيعة والأحاسيس الانسانية السامية برقائق معدنية تفوقت عليه ذكاءً وفطنة، عالم يلهث خلف سراب، يتسابق مع عقارب الساعة ليحقق اللاشيء، عالم يزحف جنوبه الى شماله بحثاً عن الحرية والكرامة فيموت غرقاً في منتصف البحر، عالم يمجّد القتل والاجرام والاستغلال ويدمر الحضارات والذاكرة الانسانية من أجل المال، هذا العالم ما حاجته للمسرح، أخاف أن يتم قتل هذا الفن الجميل الحي كما قتلوا كل شيء جميل في حياتنا، بدون أن يرفّ لهم جفن.

واختتم قوله “في اليوم العربي للمسرح الذي نحتفل فيه بوجودنا، بشغفنا، بأحلامنا وآمالنا، كما كل المسرحيين حول العالم، أحاول أن أبدد مخاوفي، أن أتفاءل، أن أبتسم وأحتفل وأفرح، لكني خائف”.

نسرين أحمد زواوي

 

 

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى