كتب

رواية “مسيرة التغيير” لغسان شبارو تستشرف مستقبل لبنان

تندرج رواية “مسيرة التغيير” للكاتب اللبناني غسان شبارو ضمن مشروع الحثّ على التحول الاجتماعي التغييري الذي اختطه قلمه منذ بدأت بواكير أعماله الروائية بـ”بيروت 1982” مرورا بروايات “كوكب الجرذان”، “2022”، “جمر المستنقع”، “النورس”، “النحلة والغول”، وانتهاء بروايته الجديدة “مسيرة التغيير”، هذا العنوان المُحفّز على التغيير الاجتماعي/ البيئي وصولا إلى الأمل الموعود الذي أسسه الكاتب على امتداد مسيرته الروائية.

وتتوجه الرواية، الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت، إلى جمهور “انتفاضة 17 أكتوبر”، وهي سلسلة الاحتجاجات التي عرفها لبنان منذ 2019، وغيرها من ساحات النضال، التي شارك فيها شباب ومواطنون جاءوا من مختلف المناطق والطبقات الاجتماعية والمشارب والأديان، متواعدين على أن يواصلوا “مسيرة التغيير” وألا ييأسوا بسبب الصعوبات والعقبات، وإلا ضاعت أحلامهم لعقود آتية أو للأبد.

وتلعب الرواية هنا دور الإنذار المُبكر والجرس المُنبّه للشباب للتمسك بطموحاتهم المستقبلية وأن يحولوا دون أن يغتال الحكم الفاسد أحلامهم.

ويتداخل الحديث عن الثورة وأحداثها لتخلق نصّا روائيا له تميّزه ورصانته وسرديته المشوّقة، التي عُرف بها شبارو كروائي ملتزم بقضايا وطنه في أعماله السابقة.

ويقول الكاتب شبارو عن روايته الجديدة “تتلمّسُ رواية ‘مسيرة التغيير‘ أحداثا من وحي نبض انتفاضة الشباب متنقلة معهم عبر جيل وزمن (2020 – 2050) من التحديات، من النضال والهزيمة، من الصمود والسقوط، من التصدي والخيانة، ومن الهجرة والموت”.

بهذه العبارات يختصر شبارو مأساة وطن، تبدو حياة مواطنيه مفتوحة على خيارات صعبة للغاية قد يكون مداها الانهيار والفوضى التي سيخسر الجميع جراءها. وهذا ما تحذّر منه الرواية بوقائعها التي تدور على مدى ثلاثين عاما، تعيد سلطة الفساد خلالها إنتاج نفسها، إذ تستمر الصفقات والتوريث السياسي والقهر الاجتماعي والقمع والعنف والتسلّط والظلم والمخططات المشبوهة.

وفي “مسيرة التغيير” يرصد شبارو فورة الثورة المفاجئة التي اجتاحت لبنان إثر انتفاضة 17 أكتوبر، من خلال الوقوف على تفاصيل النشاط اليومي لبطلي الرواية حمزة وجوليا ومن معهما من شباب الثورة ومنظمات المجتمع المدني، الذين هتفوا بأعلى أصواتهم “الشعب يريد إسقاط النظام”، و“يسقط حكم المصرف” ورددوا تباعا “ثورة… ثورة”.

ومن خلال شخصيات هذه الرواية، يستعرض القارئ كشفا لعقود من تقلبات الحال التي تعرض لها الإنسان اللبناني داخل وطنه وفي هجرته وغربته القسرية.

ويتطرق إلى أن قهر المواطن تحوّل إلى نهج لدى النظام الفاسد الذي يسعى إلى إفقار المواطن وإخضاعه ليسيطر عليه ويخيّره بين الكرامة ورغيف الخبز.

هذا الحال المظلم المتدهور سيمتد لثلاثين سنة أخرى كما تُحذّر منه وقائع الرواية ونهايتها التراجيدية الملطخة بدماء أبطالها.

وإذ تُعايش الرواية أخطر وأدق مراحل الثورة والبلد، فهي تحث الشباب المعوّل عليهم في عملية التغيير بأن لا يستكينوا ولا ييأسوا وأن يتابعوا المسيرة والنضال كرمى لهم ولدماء الضحايا يصرخون “أشهد بالله أننا سنحاسب الخونة وسنواصل المسيرة”.

كما يطرح شبارو في “مسيرة التغيير” جملة من المسائل والقضايا ويعرضها للنقاش مع قارئه، وأهمها البحث في أسباب الولاء الضيّق العمى للزعيم بدلا من الولاء للوطن، إذ كشفت الثورة عن مجتمع منقسم ومحبط تتجاذب أبناءه خطب رنانة عاجزة عن تقديم مشروع دولة آمنة وعادلة لكل المواطنين. لذلك نرى الكاتب يقترح بين السطور إلغاء القوانين المُفصّلة على مقاس كل طائفة، ساعتئذ يحصل كل مواطن على حقوقه.

ويجد الكاتب الحل في “مشروع الدولة المدنيّة”. وفي هذا يقول “هذا ما ستؤمِّنه الدولة المدنيّة التي عَبْرَ إغلاق بؤر الهدر والفساد ستتمكّن من تأمين الصحة والتعليم وضمان الشيخوخة للمواطنين من جهة، كما أنها ستتمكّن من مكافأة الموظفين الأكفّاء وخلق فرص عمل لمن يستحقّها من جهة أخرى”.

يلفتنا مقدار الاحترام الذي يكنّه شبارو لذكاء القارئ، وهو بارع في مخاطبة فئة الشباب بما يستهويهم ويشدّ انتباههم، ومتمكن من عرض قضاياهم واهتماماتهم ومطالبهم وهمومهم.

وتأتي الحبكة في رواياته مليئة بالمفاجآت التي تحبس الأنفاس، وهو خلال سرده لأحداث الرواية لا يكتفي بطرح العديد من التساؤلات والمعضلات، بل يقدّم الكثير من الحلول، وبين هذا وذاك يضع في متناول القارئ معلومات وتفاصيل قيّمة وممتعة.

وفي كل مرّة تصدر رواية جديدة لشبارو، نتلقفها ونغوص في خضمّها ونعيش أحداثها وخباياها، لحظة بلحظة، وسطرا سطرا، حتى نقطة النهاية في المقطع الأخير من الصفحة الأخيرة، وحين نرفع رؤوسنا عن الكتاب نتساءل بدهشة: تُرى ماذا يُخبئ الكاتب لاحقا للقارئ العربي؟

 

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى