كتب

مالك بن نبي وقراءة في مفهومي التخلف والقابلية للاستعمار

في الجزء الثاني من قراءة كتاب “ما بعد مالك بن نبي”، للكاتب الجزائري الدكتور بشير القلاتي نركز تتبع مفهومي التخلف والقابلية للاستعمار، في علاقة بواقع الجزائر، لا سيما بعد معركة التحرير.

…القابلية للاستعمار والتخلف

وحول المفهومين الخطيرين “القابلية للاستعمار” و”التخلف”، يقول الكاتب: إن (أُولى ملاحظات مالك بن نبي هو أن الاستعمار نفسه يحرص على غرس فكرة التبعية الطبيعية في عقول ابن المستعمرات، بما يسميه مركب التبعية، وهو ما حاول بعض المستشرقين الترويج له، لكن الفرق شاسع بين مركب التبعية هذا الذي يعبر عن حالة ركود وجمود نتيجة تطور نفسي طبيعي تلقائي، والقابلية للاستعمار حالة ركود نتيجة نكسة اجتماعية. فإذا كانت أزمة التبعية أزمة نفسية بالدرجة الأولى فإن أزمة القابلية للاستعمار أزمة اجتماعية، (ص 101 ص 102).

هنا يوضح: “لتتخلصوا من الاستعمار عليكم أولا أن تتخلصوا من قابليتكم له (ولا يقصد مالك بن نبي التخلص من الاستعمار هنا مجرد إخراجه عسكريا، أي الاستقلال السياسي فقط، وإنما يعني الاستقلال الحضاري الشامل)”، (ص 107).

أما بخصوص التقدم كمفهوم يشير الكاتب إلى “أن الحياة حركة والحركة تقتضي الانتقال من نقطة إلى أخرى، والمتابعة في السير، يعني التقدم إلى الأمام. أما السكون فهو الوقوف عند نقطة معينة، وإذا توقف المجتمع والناس سائرون تخلف ضرورة… وهذا هو معنى التقدم الذي نتناوله في الإطار الحضاري العام، حركة إلى الأمام بدافع من طاقات ذهنية فكرية وغايات وأهداف مرسومة… ولا يعني التقدم بأي حال من الأحوال القطيعة مع الماضي أو تجاوز التراث جملة… حركة الأمة للإمام تستند إلى الماضي”، (ص 108).

وبخصوص إمكانية التقدم يعتبر الدكتور قلاتي أن “الإمكان رهن الإرادة.. التخلف إرادي تماما فكل مجتمع متخلف يتحمل مسؤولية تخلفه وهو أمر ثابت نصا وعقلا وواقعا حتى هزيمة العرب أمام إسرائيل في جميع الحروب التي خاضتها حصلت بإرادة العرب أنفسهم، وهو ما أشار إليه مالك بن نبي رحمه الله فقال إنها تعود إلى سوء التقدير والتدبير والانشغال بالسفاسف وإهمال الواجبات، وهو ما سماه مالك ذهان السهولة أي الاستهانة بقوة إسرائيل ما انتهى بالعرب إلى ما سمي حينها بنكسة حزيران  1967″، (ص 110).

ويضيف: “بناء على ما سبق فإن سر التقدم يكمن في توفر إرادة للتقدم… إن تقدم الأمة الإسلامية ممكن رغم صعوبته بشرط أن يقوم المسلمون بثورة دينية داخلية تبدأ بمراجعة الذات ومحاسبتها، فإن انتصروا في هذه المعركة النفسية الداخلية، فإنهم يستطيعون القيام بالمعجزات، هذه الثورة النفسية الداخلية بإمكانها حرث جميع حقول الحياة في وقت قريب، وهي التي ستجبر الاستعمار على الهروب إلى غير رجعة وتزيل آثار التخلف من فقر وجهل ومرض وظلم لتعلن دخول المسلمين عصرا جديدا، عصر الحضارة الانسانية”، ( ص 112).

.. من البوليتيكا إلى السياسة

يشير الكاتب إلى أن “علاقة المثقف بالسياسي علاقة جدلية صعبة اتسمت على مر التاريخ بالتشنج والفتور غلب عليها طابع الزراية (الاستعلاء) أحيانا والاستتباع (تبرير العمل السياسي) أحيانا أخرى بدل بناء علاقة موازنة بين العقل والواقع النظر والممارسة. بما يسميه علاقة المصاحبة الضرورية لمواجهة التحديات الكبرى للنهضة والتقدم”، (ص 115).

والسبب هو أن (البوليتيكا) التي تميزت بها أنظمتنا السياسية التي تشبعت بعقلية الذهان، بما يجعل استقلال دولنا استقلالا شكليا، لأننا لا نملك سياسة علمية بل سياسة لمسية (لا تؤمن بقيمة الفكر) وشخصية (تدور حول عالم الأشخاص أي الزعيم) أو الأشياء (ظاهرة التكديس) وهو ما تدركه مراكز الاستعمار التي تقود الصراع الفكري في البلاد لتكثر فيه الفساد لتعمل على استغلال هذه الظاهرة المرضية بما يحقق لها مكاسب كبيرة، إذ يكفي أن تجعل لعبتها السياسية غير قابلة للمس حتى نعجز عن إدراك أي جزء منها.. وهو ما جعل مالك يدعو إلى التأسيس لعلم اجتماع الاستقلال، (ص 115 ص 116).

كانت فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها الأفغاني حسب الكاتب الدكتور بشير قلاتي، حلما جميلا “لكنه اصطدم بواقع البوليتيكا السائدة والمهيمنة على قرارات السلط القطرية العربية مع ضغوط المتغيرات الدولية، حيث تتحكم قوى الهيمنة الغربية على سياسة العالم، وتحرص تماما على تنمية تخلف العالم الإسلامي من خلال حراسة تفرقه، فمن يجرؤ على طرح فكرة الوحدة تحت مظلة أي فكرة إسلامية قومية ويعمل على تجسيدها يتعرض إلى البأس الشديد، ويبدأ بتلفيق التهم الجاهزة ثم تجويعه بالحصار الاقتصادي، فإن لم يتراجع تعرض لضربة عسكرية تحت أي ذريعة، كما حدث للعراق قبل ضربه واحتلاله في حرب الخليج الثانية بذريعة إخفاء أسلحة كيمياوية… أما جامعة الدول العربية فليست أكثر من هيكل بلا روح تستهلك ميزانية الشعوب العربية دون أن تقدم خدمات لدعم هذه الشعوب ولم تنجح لحد الآن في حل أي مشكلة حقيقية تعرضت لها أي دولة عربية وظلت مواقفها تدور في نطاق التنديد والاستنكار وهي مظاهر البوليتيكا التي تحدث عنها مالك بن نبي رحمه الله”. (ص 119).

كانت فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها الأفغاني حسب الكاتب الدكتور بشير قلاتي، حلما جميلا “لكنه اصطدم بواقع البوليتيكا السائدة والمهيمنة على قرارات السلط القطرية العربية مع ضغوط المتغيرات الدولية، ولذلك “على البوليتيكيين في الدول القطرية العربية أن يدركوا خطورة ما يحملونه من أفكار وما يروجون له من شعارات فاقدة للروح بعضها ميت وكثير منها قاتل لأن كل من النخب والجمهور يقفون في سفينة واحدة ويواجهون مصيرا واحدا لأن السفينة إن غرقت فسيقضى على الجميع وهم أنفسهم سيكونون وقود الخراب الشامل ويبقى التأكيد البنابي على أن السياسة دون أخلاق ما هي إلا خراب للأمة”. (ص 130).

كان مالك بن نبي يأمل أن تبنى نهضة الجزائر بعد عام 1962م، أي بعد التخلص من الاستعمار الفرنسي، ولهذا اعتبر الحضارة، وكأنه ينظر إلى ما ينتظر الجزائر من تحديات، وهذا المشروع الحضاري المصيري لا يمكن بناؤه على مجرد العواطف والشعارات بل يبنى على سياسة رشيدة واقعية وفق منهج علمي ومنطق دلائل علم الاجتماع ومقرراته، حتى وهو يرسم رؤيته للحضارة كان تركيز مالك على وظيفتها فهي مجموع الشروط المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره.. والسياسة التي لا تقدم هذه الضمانات ليست أكثر من بوليتيكا كذب ونفاق وديماغوجيا، لكن هذا لايعفي الفرد نفسه من القيام بواجبه نحو المجتمع، (ص 134).

..ضرورة تجديد الخطاب الحضاري

يعتبر الكاتب أن البعض قد يطرح صعوبة قراءة فكر مالك بن نبي، وهو أمر قد يبدو صحيحا في البداية، لكن تكرار القراءة حتى بالنسبة للعقل متوسط المستوى، وفي السياق العام لفكر الرجل، يمكنه استيعاب أفكاره إلى حد كبير، رغم أن جزءا من صعوبة أسلوبه، يرجع من ناحية إلى الترجمة غير الدقيقة، فالمترجم خائن كما يقول المثل البريطاني، حيث إن معظم كتبه كتبها أصلا بالفرنسية، أو إن ذلك يرجع إلى صعوبة ودقة المجال الحضاري الذي تتناوله.. وهذا ما يدعو الباحثين إلى تبسيط أفكار مالك بن نبي، بإعادة صياغتها بأسلوب أقل تعقيدا، حتى يتسنى فهمها للجمهور، ويتم نشرها بصورة أوسع وأشمل، فتعم فائدتها ويتحقق تفاعلها بذلك، وخاصة ما يلامس حياة الجمهور مباشرة، كفكرة الواجب قبل الحق، وإشعاع الروح وتأثيره على العقل، وشبكة العلاقات الاجتماعية، والأفكار القاتلة والأفكار الميتة، وآليات الصراع الفكري.. /ص149

إنه “لا بد من تجديد الخطاب الحضاري و الوعي التام أنه دون بناء نقد حضاري ووعي معرفي يعمل على ردم الهوة بين الفكر الحضاري المجرد الذي يخطط وينظر للتقدم وبين الواقع الاجتماعي والسياسي المعيش الذي يتسم بكل مظاهر العجز النفسي والاجتماعي والتخلف الحضاري بمعنى أن المشاريع النقدية في الفكر الحضاري، أن تكون براغماتية عملية لا تكتفي بالغوص في النظريات والتحاليل الفلسفية المثالية فقط، بل عليها أيضا أن تفهم العجز والسكون الاجتماعي العام الذي يطال المجتمعات العربية ويكرس تخلفها وتحاول فهمه وعلاجه وإصلاحه عمليا، لكي تتمكن من مواجهة تحديات القرن الواحد و العشرين”، (ص 150 ص 151).

..نحن وتحديات القرن الحادي والعشرين

إن “أهم مشكلة تواجه العالم العربي تكمن في ذاته، أساس تخلفه عقلية الإنسان العربي العاجز عن الإبداع في بيئته الأصلية لارتباطه بالعقل المنفعل، كما يسميه المفكر العراقي علاء الدين الأعرجي، وهو عقل عاطفي نكوصي بامتياز، وبسبب ذلك زادت الفجوة الحضارية بين العرب والغرب”، (ص 157).

إنه وأمام التحديات الكبيرة والخطيرة: تقدم علمي وتكنولوجي غربي متسارع يقابله ركود وجمود عربي ظاهر، أصبحنا أمام فجوة تزيد بمتتالية كبيرة ومفجعة، فلا مناص للعرب إذا أرادوا المحافظة على وجودهم في المرحلة المقبلة، أن يعملوا على ضمان لقمة عيشهم بالتركيز على الزراعة التي تسجل فعليا تخلفا كبيرا، لابد من تخطيط زراعي علمي حكيم، يستجيب لمتطلبات الداخل ولتحقيق فائض قيمة، لجلب العملة الصعبة لاستثمارها في التعليم والصناعات الأخرى، مع التركيز على الأمن الغذائي أولا باعتباره يتعلق مباشرة بالأمن القومي وهو ما انتبهت له الصين إبان نهضتها، مع أن الإمكانيات الزراعية في الوطن العربي أكبر بكثير مما هي في الصين.(ص 163).

هنا نحن أمام السؤال الهام: كيف نعيد لشعب متخلف إرادته الحضارية في التقدم؟ هنا مربط الفرس كما يقال: كيف يمكن إحياء شعب ميت؟ هل نحن اليوم بحاجة إلى معجزة سيدنا عيسى عليه السلام لإحياء موات هؤلاء؟ إن التغيير يخضع لقوانين علمية وسنن اجتماعية على ضوء خصائص اللحظة التاريخية الحالية… لا بد من البحث العلمي في مشروع للتوعية أولا بخطورة الحالة ثم وضع استراتيجية لتنمية الإرادة المفقودة… هو أمر تقوم عليه مؤسسات علمية فاعلة لا تخضع للسياسة تتمتع بقدر متاح وكافٍ من حرية البحث، حيث لا يملك أحد مهما أوتي من عبقرية وصفة جاهزة لإعادتها، (ص 167).

… القابلية للاستعمار.. خطورة المصطلح

ويخلص الدكتور البشير قلاتي، إلى مناقشة أهم مصطلحات مالك نبي التي ما زالت تثير جدلا واسعا، وهو مصطلح “القابلية للاسعمار”، حيث يشير “نحن اليوم بحاجة إلى مراجعة الكثير من مصطلحاتنا، خاصة في مجال الفكر الحضاري، ومنها مصطلح القابلية للاستعمار، والسؤال الذي أطرحه هو: هل النقد الذاتي كمنهج فكري، يحيلنا إلى وجود صفة القابلية للاستعمار كمتلازمة للمجتمع المسلم؟ أم هل القابلية للاستعمار سبب للاستعمار أم العكس، أي أن الاستعمار هو سبب هذه القابلية؟ (ص 168).

مبدئيا يعترف الكاتب أنه “لا يمكنني نفي فكرة القابلية للاستعمار كمحتوى، لأن أعراضها بادية أمام أعيننا، نلاحظها يوميا، في شوارعنا وطرقاتنا وعند مشارف مساكننا وعماراتنا، في سياستنا واقتصادنا، لكن من جهة أخرى، فإنه كمصطلح، اليوم ربما كانت له تداعيات سلبية خطيرة تنعكس على المجتمع الإسلامي، بما يكرس تخلفه من الناحية النفسية، من خلال التأثير على ما يسمى بالضمير الجمعي، إما تأثير التبرير (تسويغ التخلف في طبيعة الذات)، وهو ما يدفع للاعتقاد أن نفس المسلم تحمل في داخلها عوامل تخلفها، كما يقول بذلك بعض المستشرقين، ومنهم الانجليزي هاملتون جب، والفرنسي أرنيست رينان وغيرهم، في اتهام العقلية الإسلامية بأنها تحمل في طبيعتها معاداة العلم والمنطق، أي فكرة القابلية ليس للاستعمار فقط ولكن للتخلف أيضا.. مع استصحاب حسن نية مالك بن نبي في إيراد هذا المصطلح، بدافع من قلقله على واقع الأمة ومصيرها. لكن التحديات الكبرى التي نواجهها اليوم، تجعل المصطلح في ذاته يزيد من حدة القلق، ما يشكل أكبر عائق في طريق النهضة، إذا تحكم في نفسية المجتمع سيعقد به عن الحركة الايجابية، لأن من فقد أمله أوقف عمله”، (ص 168).

إن المشاريع النقدية في الفكر الحضاري، ينبغي أن تكون براغماتية عملية لا تكتفي بالغوص في النظريات والتحاليل الفلسفية المثالية فقط، بل عليها أيضا أن تفهم العجز والسكون الاجتماعي العام الذي يطال المجتمعات العربية ويكرس تخلفها وتحاول فهمه وعلاجه وإصلاحه عمليا، لكي تتمكن من مواجهة تحديات القرن الواحد و العشرين

وبدلا عن ذلك يقترح الكاتب “التأكيد على فكرة النقد الذاتي كمنهج، بعلمية وموضوعية، والبحث في الخلل الداخلي المتفاقم، المتمثل في القيم السلبية في نفوسنا ومجموع الفكر الميت في تراثنا، والتي لا شك أننا سنكتشف منها الجديد في هذا العصر، والعمل للتصحيح وتجاوز الأخطاء، التي تصدر عادة بحكم الطبيعة البشرية، مما يستوجب زرع الأمل بداية، وهو أساس النهضة بالتقدم، بدلا عن مصطلح (القابلية للاستعمار)، الذي أرى أنه استنفذ أغراضه، وأصبح ذكره تبريرا للتخلف نفسه، بما يثيره من شعور بالاستراحة من عناء المسؤولية عن هذا الواقع لمر الذي تعيشه الأمة”، (ص169).

ويضيف الكاتب في نقد مصطلح القابلية للاستعمار “هنا نلاحظ كيف يتم رفع المعنويات لبناء إرادة التقدم، بإقناع الذات الجماعية بعدم وجود قابلية للهزيمة، لدعم الشحن النفسي، بدل تحطيم الذات بمصطحات القابلية للهزيمة، القابلية للاستعمار، القابلية للاستبداد، ويكرس الشعور بالنقص والدونية، تجاه الآخرين”، (ص171).

.. الثورة كوسيلة تغيير عن مالك بن نبي

يرى الكاتب أن فكر مالك بن نبي يشترط لحدوث الثورة الشروط التالية:

1 ـ وجود مظالم اجتماعية وسياسية كافية لإحداث الثورة.

2 ـ وجود وعي اجتماعي شامل ولا طبقي بهذه الثورة، ويكون الصل في هذا الوعي الفكرة الدينية، وقد يكون هذا الوعي تلقائي نتيجة تطور تاريخي، وقد يكون مقصودا عن طريق حركة توعية شعبية.

3 ـ وجود قيادة فتية ذات كفاءة.

لكن شروط نجاح الثورة تتحدد عنده في ما يلي: وحدة القيادة، زائد وحدة الشعار. علاوة على أن الثورة لا ترتجل، إنها اطراد يحتوي ما قبل الثورة والثورة نفسها وما بعدها، والمراحل الثلاث لا تجتمع فيه بمجرد إضافة زمنية بلتمثل فيه نموا عضويا وتطورا تاريخيا مستمرا. (ص192).

ومن حالات الاستشراف التي يمكن إسقاطها على أوضاع الثورات العربية الحالية إشارة الكاتب إلى أن مالك بن نبي “لاحظ أن كثيرا من الثورات قد عادت بالمجتمع إلى نفس الأوضاع السابقة على الثورة، بل ربما وجد نفسه في أوضاع أشد سوء في حالة أنها قد تجد نفسها من جديد في ظل أيديولوجيا يسقط من أجلها الأبطال، ولا يتعرفون على الأفكار التي من أجلها سقطوا”، بذلك تقع البلاد في الفوضى والاضطراب وحكم الانتهازيين والغوغاء كما حدث لبلدان أمريكا الجنوبية”. (ص193)

ويؤكد مالك بن نبي على “وضع الثورة في إطارها الحضاري، وينبه أن إهمال ذلك من شأنه أن يوقع الثورة قفي فتن وثورات داخلية، كما حدث في بعض البلاد، والسبب أن زعماء الثورة طرحوا المشكلة كمشكلة سلطة لا كمشكلة حضارة، فنظروا للمسألة كمسألة حقوق بدل أن يقوموا بواجبهم الأساس بتصفية مظاهر القابلية للاستعمار من القلوب والعقول وهذا مرتبط بالثقافة والحضارة، وهو ما لا يتحقق بمجرد انسحاب جيوش الأعداء، وإعلان الاستقلال وتحرير دستور البلاد”. (ص 193).

الكتاب بالنهاية، هو محاولة جادة لتقديم مقاربات نقدية للتجاوز، عبر سؤال المابعد، وقد حاول الدكتور البشير قلاتي مع نسبة عالية من التوفيق، التفكير خارج الصندوق، خارج الفكر الحضاري للأستاذ مالك بن نبي، رغم إقراره بعظمة ما طرحه من فكر، ذلك أن اللحظة التاريخية الصعبة الحالية، تحمل أكبر التحديات أمام العقل المسلم، كما تقتضي مراجعات صعبة، وطرح أسئلة أكثر عمقا لمشكلات الراهن.

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى