ثقافة وفن

الكاتب الجزائري الحبيب السايح: “على النخب السير نحو الأفق الذي رسمه الحراك لبناء مستقبل جزائر المواطنة والحرية والعدالة”

  • الكتابة لجائزةٍ هو خيانة لشرف الكتابة

يرى الكاتب الجزائري الحبيب السايح أن تبني النقاد المناهج النقدية التقنية ساهم في تغريب المهتمين بالدراسات الأدبية عن النص الأدبي بصفته قيمة جمالية وأخلاقية وإنسانية، وهو الأمر ذاته الذي أحدث هوة زمنية كبيرة بين الناقد أو الدارس وبين النص الروائي الذي يصدر بشكل دوري ومتواتر ويتطور ويخرج بذلك عن المعايير التي في منظومة الناقد.

وجه الكاتب الجزائري الحبيب السايح في حوار له مع جريدة الجديد اللندنية، دعوته للنقاد والمهتمين تحيين معارفهم فيما ما يتعلق بالمناهج الأساسية في النقد الأدبي،  وذلك حتى تنسجم مع ما يطرحه النص الروائي الجديد، مشيرا أن هناك نصوص أدبية مميزة صدرت بالجزائر خلال السنوات الأخيرة لقت صدى إعلامي، غير أن الدراسة النقدية يقول المتحدث فلا تجد إلا نادرا خبرا ثقافيا عنها هنا ومقالة متابعة يتيمة هناك، مستدلا في كلامه بتجربته مع روايته “أنا وحاييم” الصادرة سنة 2018، عن دار مسكيلياني وميم، ووصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر. وفازت بجائزة كتارا، ورغم ذلك لم تحظى بدراسات نقدية إلا ما كتبه عنها الناقدان والدارسان الدكتورة آمنة بلعلى، والدكتور لونيس بن علي، والأستاذ عطاء الله نصر الدين، بالإضافة إلى دراسة قدمها الروائي واسيني الأعرج.

 أما فيما يتعلق بمتون النص الروائي الراهن في الجزائر خاصة وفي العالم العربي خاصة وما هي علامات التقارب بينهما يقول الحبيب السايح تلك المتون، نابعة من كثير من الأسئلة التاريخية المعلقة ومن الهموم الوجودية ذات الصلة بالتحولات الجارية في الجزائر، منها على الخصوص ما خلفته المحنة الوطنية من رضوض نفسية في الأجساد والروح والذاكرة،  وهي متون حسبه توسع، كل يوم، من انتشارها أفقيا، واستطاعت يضيف المتحدث أن تحتل لها مساحة مهمة في خاطرة السرد العربي المعاصر، وذلك بالنظر إلى تقهقر الرقابة الرسمية، بحيث أصبحت في الجزائر، رقابة بعدية، وإلى خرق الإنترنت جدار حدود البريد التقليدي، الذي غالبا ما شكل حاجزا رقابيا على النصوص الجزائرية المرسلة إلى الخارج للنشر خاصة في لبنان.

أما عن التقارب بين الرواية الجزائرية والعربية يقول الكاتب برغم أن لكل بلد عربي خصوصياته التاريخية والثقافية والاجتماعية والذي  يبدو اليوم أكثر وضوحا، فإنه يكفي أن تطّلع، مثلا على عينة من الروايات الصادرة، في الأعوام الأخيرة خاصة، لتتبين الاهتمام المشترك، غالبا، بالتاريخ وبالعلاقة مع الآخر وبالحريات وبالهويات.

..حضور الرواية الجزائرية أصبح اليوم قائما في دور النشر العربية

وأما حضور الرواية الجزائرية، كنص فارق ومتميز، فإنه أصبح اليوم قائما وبشكل لافت في دور النشر العربية الكبرى أيضا وفي المكتبات، وهو يكسب له مزيدا من القراء في العالم العربي.

وعن التنوع الثقافي في الجزائر بين كتاب الرواية باللغة الفرنسية والعربية يقول الكاتب قبل أن يظهر جيلي، كانت الرواية المكتوبة بالفرنسية في الجزائر هي السائدة والرائدة، واليوم يتأكد أن المشهد تغيّر كليّة لصالح الرواية المكتوبة باللغة العربية، مشيرا بأن جيله من الكتاب يحمل ارثين إرث الكتّاب الجزائريين باللغة الفرنسية المؤسسين للرواية الجزائرية على غرار كاتب ياسين ومحمد ديب في مواجهة رواية الأقدام السوداء، وإرث مؤسسي الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية كعبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار. فالكتابة بلغة المستعمر كانت كتابة مواجِهة لآلة هذا المستعمر الأدبية والأيديولوجية، وهي التي كانت ستثري السرد اللاحق بالعربية، مؤكدا بأن روايات جيل الكتّاب باللغة الفرنسية له صلة وثيقة بالمجتمع الجزائري لأنها اشتغلت على خصوصيته وتاريخه وهويته، أما بعض الكتّاب الجزائريين الذين صاروا يكتبون بلغتين العربية والفرنسية فهي حسبه مجرد خيار.

..الكتابة لجائزةٍ هو خيانة لشرف الكتابة

الجوائز الأدبية والعربية ذات القيمة الاعتبارية والمالية تسهم بشكل كبير في انتشار الكاتب أفقيا وفي توسيع مساحة مقروئيته، وتساهم في لفت أنظار المهتمين إلى الكاتب، لكن يجب الإشارة يقول المتحدث أن الكتابة لجائزةٍ هو خيانة لشرف الكتابة، لان الجائزة يضيف من المفروض هي آخر ما يفكر فيه الكاتب الذي يحترم نفسه، لأن همه هو التعبير عما يؤرقه من أسئلة الإنسان الوجودية والظلم والحرية والانعتاق.

.. وسائل التواصل الاجتماعي تهدد تقاليد القراءة التي توارثتها البشرية

يرى الكاتب الحبيب السايح أن التطور المذهل في وسائط التواصل الاجتماعي أنها مهددة، كل لحظة، بالتجاوز، وذلك نظرا إلى الوتيرة السريعة التي يتغير بها، والمرتبط بالصناعة الإلكترونية الاستهلاكية التي تشهد منافسة شرسة من أجل السيطرة على إنسان هذا العصر وإخضاعه آليا لنظامها واحتلال ذهنه وتكييف ردود أفعاله بما لا يترك له مجالا آخر للاتصال بغيرها، حيث قال إنه عصر الإنسان الآلي، الذي يتنازل كل يوم، عن حيز جديد من مساحة حريته ومن إنسانيته ومن التحديق إلى خارج ما تغمره به هذه الوسائط من الأخبار والصور الموجهة والمهيمنة.

من جهة أخرى أشار إلى الخطر الذي لايهدد الكتاب الورقي فحسب بل بكل تقاليد القراءة التي توارثتها البشرية جيلا بعد جيل، والتي بفعلها ارتقى الإنسان إلى مراتب عليا من الأخلاق ومن التعايش ومن معرفة الآخر غيره، برغم ما خلّفته وتخلّفه الحروب خاصة، لذلك يضف المتحدث الضرورة تدعو إلى أن تعمل المنظمات التابعة للأمم المتحدة على إيجاد وسائل وإجراءات للحفاظ على استمرارية فعل القراءة من الكتاب الأصلي أولا، إنه من مسؤوليات الدول العربية وواجباتها أن تدعم نشر الكتاب الورقي وتوزيعه، وأن تسنّ قوانين لفعل القراءة في أطوار التعليم كلها، إضافة إلى الفعاليات الموازية الموجهة للجمهور الواسع ضمن المراكز الثقافية ودور المطالعة العمومية والمعارض.

أما عن تجاوز الحراك للنخب يقول الحبيب السايح”منذ الـ22 من فيفري، وإلى اليوم، لا أزال تحت وقع الصدمة، وليس المفاجأة فحسب! ولغتي تكاد تعجز عن تلقُّف ما يجري في صوره وفي تمثلاته، إنه لا بد لها من مسافة زمنية كي تستوعب الدلالات الجديدة لهذا التحول الهائل، وهو شأن أصاب النخب كلها، وهو يفرض عليها التأمل، ومن هنا ضرورة انخراطها في السير نحو الأفق الذي رسمه الحراك لبناء مستقبل جزائر المواطنة والحرية والعدالة.

للتذكير، الحبيب السايح كاتب جزائري من مواليد منطقة سيدي عيسى ولاية معسكر، اشتغل بالتّدريس وساهم في الصحافة الجزائرية والعربية، غادر الجزائر سنة 1994 متّجها نحو تونس حيث أقام بها نصف سنة قبل أن يشدّ الرّحال نحو المغرب الأقصى ثم عاد بعد ذلك إلى الجزائر ليتفرّغ منذ سنوات للإبداع الأدبي قصة ورواية، ومن أعماله القصصية نذكر “القرار”، “الصعود نحو الأسفل”، “البهية تتزيّن لجلادها”،”الموت بالتّقسيط”، وفي الرواية نذكر له”زمن النمرود”،”ذاك الحنين”،”تماسخت”، “تلك المحبّة”، “الحنين”، “الموت في وهران”، “كولونيل الزبربر”، “أنا وحاييم”، وترجمت له إلى الفرنسية “ذاك الحنين” و”تماسخت”.

نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى