كتاب عن تراث لصوص الأموال ولصوص الكتابة والفكر

عن دار «مدارك»، الرياض – دبي، صدر للباحث رشيد الخيون كتاب «لصوص الأموال ولصوص النصوص»، في 500 صفحة من الحجم الكبير.

جاء في مقدمة الكتاب:  «إنَّه كتاب في تُراث اللُّصُوص: أعلامهم، حيلهم، أخبارهم وأشعارهم، وعن سُراق المال والأدب والفكر، أُدرجت تحت عنوان (لصوص الأموال والأفكار). فخطورة النَّوعين واحدة، إنْ لم يكن النَّوع الأخير أكثر خطراً؛ لأنَّ لِصَّ المالِ قد يكون له عذره لطعام أو لباس، لكن لا عذرَ لسارقِ كتابٍ أو مقالٍ أو فكرٍ أو قصيدة، فما بالك بسارق كتبٍ شيد له مجداً معرفياً عبر اللُّصوصيَّة».

ولا تبدو مصادر البحث في اللُّصُوص قليلة، لكنها متفرقة، فأخبارهم، وكلّ ما يتعلق بهم مبثوثة بين صفحات الكتب القديمة، مع أن هناك كتباً اختصت باللُّصوص فقط، وهذا ما يراه القارئ اللَّبيب، في تمهيد المصادر المفصل، بعد المقدمة مباشرة، لكنَّ تلك الكتب مفقودة، وهي بالأصل كانت نزيرة، ما عدا ما اختص بالسَّرقة الأدبية، فوصلنا ما وصلنا منها، لكنّها جميعاً تقريباً قصدت سرقات المنظوم وليس المنثور، ومعلوم أنَّ سرقة المنظوم، أو الشِّعر، تُبرر في معظمها بالتضمين والاستعارة، استعارة اللفظ أو المعنى، وما أكثر الأخير!، أي المعنى، بين الشّعراء وفي العصور كافة.

أما المراجع الحديثة، في مجال اللُّصُوص، فهي قليلة أيضاً، لكنها ركزت على اللُّصُوص الشُّعراء دون سُراق المنثور مِن الأدب والفكر، وجَمعت بين اللُّصُوص والصَّعاليك والشُّطار والعيارين، والفتيان، وهم وإنْ يشتركوا في التمرد وتَجاوز الحُرمات، غير أنَّ الاختلاف واضح بين هذه الفئات».

ويُقدم الكتاب عدداً غير قليل مِن الفقهاء والقضاة الذين قُتلوا بيد اللُّصُوص، وكانت بيوت هؤلاء أماكن لحفظ أمانات المسافرين من الحجِّاج، لهذا تكبس اللُصُوص دورهم بحثاً عن تلك الأَموال. لهم حيل قد لا تأتي على بال العباقرة مِن البشر، والمثل الآتي، وإن قيل في «الكحالين» أطباء العيون إذ قيل: «يَسْرقُ الكُحل مِن العين»، فهذا يسرق العين مِن الكحل، وهو لِصُ مِن كبار اللُّصُوص.

ركز الفصل الخاص بشخوص اللُّصُوص على سيرهم وطبائعهم، ومنهم مَن تاب مِن اللُّصوصية توبة نصوحة، وأصبح وجيهاً في مجال مِن مجالات الحياة، وقد أتى ابن قُدامة، على العديد منهم في كتابه «التوابين». مِن اللُّصوص مَن تربطه علاقة بوزير، أو أمير أمراء، أو صاحب الشُّرطة، وهذا يبدو أخطرهم؛ لأنه لا يخشى مِن العقوبة، مثلما كان الحال مع لصِّ بغداد المعروف بابن حمدي، واللُّصّ ابن بكران. دفع التواطؤ بين اللُّصُوص والموظفين أو الشّرطة بعض الأمر إلى إحضار الأيدي والأرجل التي قُطعت عقوبة على اللُّصُوصية، فيعيدها؛ لتكون على قدر الأحكام التي صدرت بهم؛ كي يضمن عدم التلاعب بتنفيذ العقوبة مقابل الرَّشوة.

لم يكن لصوص المال وحدهم مادة للكتاب، إنما قدمهم المؤلف مناصفة بينهم وبين لُصُوص الكتابة والفكر، وهو ما يُعرف حديثاً بالسَّرقة الأدبية، فهؤلاء، كما يقول المؤلف «كانوا وما زالوا هم الأخطر؛ لأنهم يسرقون غير مضطرين، يسرقون العقل والفكر، ويدخلون في المجتمع كمؤلفين وباحثين وكتاب، وهم مجرد لُصُوص، ربَّما أسماء نتفاجأ بها، كيف شيدت مجداً معرفياً على أساس الإغارة على نصوص أو أفكار الآخرين».

يتضمن الكتاب بابين: الباب الأول مِن تسعة فصول تناولت الفئات، والأماكن، ومن قتله اللُّصوصُ من الفقهاء والمفكرين، وأعلام اللُّصوص، وبينهم مَن أسس جيشاً جنوده من قاطعي الطَّريق واللُّصُوص، وركزنا على انتعاش اللُّصُوصيَّة في الأزمات، وأشعار اللُّصُوص، وختمنا الباب الأول بعقوبة اللِّصِّ.

أما الباب الثَّاني فتناول لصُوصَّ الفِكر والمنظوم والمنثور، ويمكن التعبير عنها بالكتابة، وعند البحث في هذه الظَّاهرة تجد عالماً آخر، فيه من المحتالين، لممارسة السَّرقة التي لا عقوبة عليها، فلِصُّ الفكر يتلاعب في الألفاظ الأصل، ويأخذ المعاني، لكنَّ لخيبة عدد منهم فإنهم يسلخون اللّفظ والمعنى، فتظهر سرقاتهم واضحة، ويتضمن هذا الباب فصولاً عدة، أولها عن اللُّصوصيَّة الأدبية نفسها، ثم سرقة الأشعار، وتلك أقدمها وأغزرها في المصادر، ثم تأتي سرقات النَّثر، وقد وزعناها على عنوان يجمع بين السَّارق والمسروق، لكنَّ بعض ما عرضناه في هذا الباب، فيه براءة السَّارق مِن سرقة، قد شاعت حتى صارت حقيقّة.

 

Exit mobile version