ثقافة وفن

في دورته التاسعة: مؤتمر الدراسات التاريخية بالدوحة يحتفي بالثورة الجزائرية

اختتمت في الدوحة أشغال الدورة التاسعة لمؤتمر الدراسات التاريخية، الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي خصص له موضوع “الثورة الجزائرية في ذكرى انتصارها الستّين”، وشارك فيه نخبة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر.

وقد حاول المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني، في محاضرته التي جاءت تحت عنوان “تأملات في الثورة الجزائرية في ذكراها الستين” تقصي الكيفية التي أثّرت بها الثورة الجزائرية في محيطها العربي والإسلامي، كذلك الطريقة التي شكّلت الثورة الجزائرية، باعتبارها ظاهرة تاريخية تندرج في الزمن الطويل وليس حدثا حربيا محدودا زمنيا، حصيلة للتاريخ الجزائري المعاصر، ومشروعا تحرريا توج المقاومة الشعبية الجزائرية، ووحّد الشعب الجزائري وجنّده، وصاغ المجتمع الجزائري المعاصر الذي ولد من التحدي والمآسي.

أضف إلى هذا الطريقة التي تفاعلت بها قيم الأصالة والانتماء الحضاري والأفكار التقدمية والحداثية في الثورة الجزائرية، لتشكل القاعدة الصلبة التي قامت عليها الدولة الجزائرية المعاصرة. وقد حاول الباحث تقديم إجابات عن الكيفية التي وظّفت بها الثورة الجزائرية تناقضات المجتمع الاستعماري، وتعاملها مع المعارضين والمتعاونين مع الاستعمار، والأدوات والأساليب التكتيكية والاستراتيجية التي اعتمدتها لتحقيق أهدافها.

اما الباحث بغورة الزواوي فقد تناول في محاضرته التي جاءت تحت عنوان “الثورة الجزائرية من منظور الفلسفة الاجتماعية” الخطاب الرسمي الجزائري، الذي عمد إلى حصر الثورة الجزائرية في المناحي العسكرية والحربية فقط، واستشهد الباحث في ذلك بعملية كتابة تاريخ الثورة التي شرع فيها حزب جبهة التحرير الوطني، في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، والتي كانت خير دليل على ذلك، ويقول “إن المتأمل الحصيف للأمر يحذق بما لا يدع مجالًا للشك بأن هناك مندوحة في أمر الثورة الجزائرية، لا يدان لنا باختزالها في المجال العسكري الصرف، فهي عملية شديدة التعقيد سواء من جهة التجربة السياسية السابقة عن الثورة، أو عناصرها التكوينية والبنيوية، أو طرائقها وأساليبها في الكفاح، أو في آثارها وأبعادها وآفاقها، وقبل هذا وذاك، نوعية الفاعلين الاجتماعيين القائمين بها”.

وحاولت ورقة نور الدين ثنيو “الثورة الجزائرية في الزمن الطويل” الإجابة عن سؤال مركزي: لماذا لم تخمد لحظة ثورة الفاتح من نوفمبر، رغم مرور ستين سنة على استقلال الجزائر في عام 1962؟ حيث ما تزال إلى يوم الناس هذا تلقي بظلالها على العلاقات بين الجزائر وفرنسا، حيث تشهد في الآونة الأخيرة اضطرابات أكثر من أي وقت مضى، وأكد الباحث أن هذه الثورة من خلال تطوراتها وتداعياتها وما تمخض عنها، تكشف عن تاريخ إشكالي معقد؛ هو التاريخ المعاصر “للجزائر الفرنسية” والتاريخ الحديث للجزائر المستقلة.

أما مصطفى كيحل الذي قدم محاضرة بعنوان “أي أفق إيديولوجي للثورة الجزائرية؟”، أكد فيها على ضرورة التركيز على المناحي الإيديولوجية التي كانت وراء الثورة الجزائرية، والروح الناظمة لها والمسلك الذي تنتظم فيه تحولاتها ومنعطفاتها الكبرى، من منطوق أنه لا توجد ثورة بلا نسق ثوري وبلا إيديولوجية ثورية تمهد لها وترافقها في مسيرتها، كما حاول الباحث الإجابة عن سؤال مركزي: ما نظرية الثورة الجزائرية؟ وهل للثورة الجزائرية إيديولوجية تستند إليها وفلسفة توجه بوصلتها؟ ، أما الباحث ياسر درويش، فأكد في ورقته التي خصها للحديث عن “الثورة الجزائرية: نشأة نقد الاستشراق وميلاد صراع الحضارات”، أن سنوات الثورة الجزائرية شهدت نشأة فكر نقدي يحرر الشعوب المستعمرة من التصور الذي نسجه المستشرقون عن هذه الشعوب، والذي كان جزءًا من سياسة الاستعمار، وبما أن الاستشراق الحديث كان إيديولوجية الاستعمار، فمن المنطقي أن تخضع هذه الإيديولوجية للنقد والتفنيد في زمن انحسار الاستعمار.

فيما طرح الدكتور عبد السلام كمون ورقة عنوانها “إشكالية الصراع بين السياسي والعسكري إبان الثورة الجزائرية”، إشكالية داخلية مهمة مست الثورة الجزائرية، تتمثل في الصراع بين السياسي والعسكري، وقد حاول الباحث استعراض الكيفية التي عالجها بها المؤرخون في الجزائر، متسائلًا: أَلَقِيَ هذا الصراع اهتمامًا كبيرًا لديهم، باعتباره صراعًا جوهريًا بين الطرفين، أم حاولوا تجاهله والسكوت عنه؟ وإن كان كذلك، فما هو السبب في ذلك؟ أما الباحث عمر بوضربة، فجاءت ورقته بعنوان: “معركة التدويل: استراتيجية جبهة التحرير الوطني لتدويل المسألة الجزائرية في الأمم المتحدة”، وقد حاول فيها الإجابة عن الإشكالية الأساسية التالية: ما مفهوم التدويل لدى جبهة التحرير الوطني؟ وكيف استطاعت الجبهة أن تخترق كواليس الجمعية العامة وتسجل القضية الجزائرية في جدول أعمالها منذ عام 1956؟ وكيف تطور تعامل هذه الهيئة الدولية مع القضية؟ وكيف أثرت توصيات الجمعية في تطور الحل التفاوضي بين جبهة التحرير الجزائرية والحكومة الفرنسية؟

وقد تخللت الجلسات مداخلات ومناقشات وأسئلة من الحضور والمتابعين أجاب عنها المشاركون، وقدّموا إيضاحات وإضاءات. وتابع البثّ المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعل معه عدد كبير من متابعي صفحات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

نسرين أحمد زواوي

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى