شهر التراث ببشار: “الفوندو” … رمز موسيقى الساورة

يعد “الفوندو” المستوحى من البيئة الثقافية والروحية الصحراوية والتي تعبر عن معاناة العمال في مناجم الفحم القديمة بالقنادسة (بشار)، رمز موسيقى منطقة الساورة.

و نشأت هذه الموسيقى الروحية الملهمة التي تصدر طاقة إيجابية تبعث على الإسترخاء والراحة، في بشار على يد مؤلفها الشهير والعازف المبدع والموهوب على آلة العود المدعو “علا”، و إسمه الحقيقي عبد العزيز عبد الله، الذي يعتبر جزء من التراث الثقافي المحلي والوطني.

و تلامس الألحان المتميزة والإستنثائية لموسيقى “الفوندو”، التي يعزفها علا على العود بطريقة إرتجالية ودون إستخدام آلات إيقاع في بعض الأحيان، وجدان المستمعين، كما أوضح ممارسي هذا الفن.

و ألهم هذا الفن عدة أجيال من عشاق الموسيقى من كلا الجنسين بمنطقة الجنوب الغربي للبلاد، كما ساهم في التعريف بها، في الوطن وخارجه، كلحن موسيقي فريد من نوعه، وطريقة جديدة لعزف العود، هذه الآلة الرئيسية في الفن الموسيقي في المشرق والمغرب العربي، والتي تعتبر أيضا أحد أبرز الآلات الموسيقية في جنوب البلاد.

و تعبر موسيقى “الفوندو” عن إلهام العازف علا، الذي يترجم حالة نفسية ما من ألم أو فرحة يشعر بها في تلك اللحظة، مثلما عبر عنها ذات يوم “كل ما يؤلمني يخرج”.

و قال العازف العراقي الكبير الراحل منير بشير عن موسيقى “الفوندو” “لديكم عازف إستثنائي في الجزائر، يدعى علا، الذي يتجاوز عزفه جميع مقامات الموسيقى العربية”.

يذكر أن إسم “الفوندو” غير وارد في أي لغة من لغات العالم وفي الأصل كانت المصطلحات التي يستخدمها عمال مناجم الفحم في القنادسة لتحديد عمق حفرة الفحم في المنجم، لأن نقاط الحفر كانت مرقمة والقاع يمثل إثنان “فون دو” (باللغة الفرنسية)، أين كان يعمل والد علا، وأطلق هذا الإسم تكريما من العازف لوالده، وفق ما أفاد به عامر يونسي الناشط في مجال تثمين وترقية التراث الثقافي للساورة بما في ذلك “الفوندو”.

…جذور موسيقى “الفوندو”

كانت هذه التسمية معروفة في منطقة بشار، قبل أن تطلق على فن علا وطنيا ودوليا، كما أنها لم تكن مصادفة بل تعبر عن الأرض، وعن كافة الثروات التي تزخر بها بما فيها الفحم الحجري، إستنادا لذات المتحدث.

و يقول السيد يونسي “الفوندو عبارة عن موسيقى جاءت إلينا من أعماق الأرض، تحمل معها طعم الفحم الممزوج بعرق ودم آبائنا وأجدادنا”.

و أردف في هذا السياق قائلا: “وتتميز النوتات الموسيقية للفوندو بكونها جافة وحادة، تعبر عن صرخة ألم قوية، تعود بنا إلى حقبة الإستغلال غير الشرعي لأسلافنا إبان الحقبة الإستعمارية المريرة”، معتبرا أن موسيقى “الريقي” تمثل صدا للراستا، وأن الفوندو هي رمزا لأجيال كثيرة من ساكنة منطقة الجنوب الغربي”.

و أشار أيضا الى أن هذه الموسيقى “فريدة من نوعها هادئة وأصيلة وخلابة وحملت إسم الفوندو من أجل تخليد ذكرى كل هؤلاء”.

”هذه الموسيقى التي اصبحت اليوم عالمية، تعبر بشكل مثالي عن ثراء التراث الموسيقى والثقافي لمنطقة جنوب الوطن، فضلا عن ارتباط الفنان علا ببيئته الصحراوية ووطنه الأم الجزائر، رغم كونه يعيش منذ عشرات السنين في باريس (فرنسا)”، كما ذكر من جهته عز الدين بن يونس، باحث في التراث الثقافي ومدير سابق لإذاعتي بشار ووهران.

و أكد علا من خلال عديد من الألبومات، ك “القاسمية” و”الزهرة “و “التانكول” و “تاغيت” وغيرها، التي بيعت منها الآلاف من النسخ في الجزائر و الخارج، أن “الفوندو” يرمز إلى الساورة والثقافة الجزائرية، علاوة على اعتباره أحد أحسن عازفي العود في الوطن العربي والعالم”، حسبما أشار المتحدث ذاته.

” العود الذي بين يدي علا، له عينان واسعتان يصدر عنهما كلما داعبت أنامله الأوتار، لحنا رنانا يشبه وميض النور، الذي يعم جدران المباني الجامدة، ويحول صمت الصحراء إلى تأمل”، يقول رابح سبع، أستاذ في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة وهران، والذي يمتلك العديد من المقالات الصحفية والأبحاث حول موسيقى الفوندو.

و أضاف “للفوندو نغمات متمردة، تريد أن تمتزج مع خصلات شعر تاغيت القرمزية، المدينة التي تعود إليها أصول عائلة علا”.

و في هذا الصدد، أبرز عديد الفنانين بمنطقة الساورة أهمية ترسيم وتنظيم جائزة وطنية “علا” للموسيقى الروحية، وذلك بغية ترقية هذا الفن واكتشفاه مواهب شابة جديدة.

تجدر الإشارة الى أن وزيرة الثقافة والفنون كانت قد أعلنت خلال زيارتها إلى ولاية بشار سنة 2020، عن استحداث هذه الجائزة بهدف تطوير هذا النوع من الموسيقى الروحية، وكذا تشجيع الفنانين على الإبداع في العزف على آلة العود.

و في ذات الشأن يرى الملحن عمار عمرون، الذي يشغل أيضا منصب ممثل محلي لنقابة الفنانين المنضوية تحت لواء الإتحاد العام للعمال الجزائريين “أن إطلاق هذه الجائزة فضلا عن كونها اعترافا وتكريما لرائد الفوندو علا، ستكون بمثابة قيمة مضافة إلى الثقافة والفنانين في البلاد”.

Exit mobile version