“روبوتات نهاية العالم” رواية جيوسياسية تتنبّأ بمصير الإنسانية

تصدّت الرواية اليوم إلى أكثر القضايا تعقيدا، وخاصة القضايا السياسية التي تزداد تشابكا يوما بعد آخر، في ظل هيمنة قوى عظمى على العالم، والصراعات الخفية في ما بينها.

وعلى عكس المقالات أو التحليلات التي يجريها مختصون، يمكن للرواية أن تكون أكثر ليونة وتمكنا في مواجهة الواقع السياسي وتحليله والتنبؤ بمستقبله، لتجيب عبر سردياتها عن أسئلة كثيرة منها كيف تسير الأمور داخل أروقة السياسة وبلاط الحكّام؟ هل حقا السياسة لعبة قذرة تستخدم خلالها جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة؟ هل يمكن ممارسة سياسة نظيفة؟ وكيف يفكّر السياسيون ولماذا يكذبون دوما على شعوبهم؟ وما دور التقنية والتكنولوجيا في السياسة اليوم؟

..قصة خيالية بشخصيات نسجتها مخيلة الكاتب

أسئلة نجد لها إجابات من خلال الروايات خاصة منها التي تقوم على بحوث سياسية عميقة، وتقدم وثائق تجمع بين الخيال والحبكة الروائية وبين التوقعات المدروسة بعناية، فنجد أمامنا قراءات للواقع ونبوءات بمصير الإنسانية ومآلات اللعبة السياسية العالمية التي تقود البشرية اليوم إلى مجاهل مظلمة، وقد لا تنفع توقعات البعض بحدوث معجزات أو شيء ما خُفيَ لتغيير النتائج الحتمية التي تسير إليها البشرية.

وفي هذا النمط من الأعمال الأدبية صدرت أخيرا رواية جديدة للكاتب غابرييل بانون بعنوان “روبوتات نهاية العالم”، وتغوص هذه الرواية الجيوسياسية، التي تقع في 286 صفحة، من الصفحة الأولى إلى الأخيرة في كواليس القوى الدولية والصراعات الخفية ما بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.

وتحكي الرواية، الأولى من نوعها في المغرب، والصادرة حديثا ضمن منشورات “لاكروازي دي شومان”، قصة خيالية ببعض الشخصيات التي نسجتها مخيلة الكاتب بناءا على التوقعات التي تسمح بها الدراسات الجيوسياسية.

ونجد في الرواية شخصيات كثيرة توهمنا بالواقعية مثل الرئيس الأميركي أندرسون، والكاتب والفيلسوف هنري كورهمان، والمستشار الدولي جان تشارلز، أو المحامي فيليب، كلها شخصيات من نسج خيال المؤلف الذي نجح في إضفاء واقعية كبيرة عليها من خلال إلباسها تفاصيل مدروسة بدقة خاصة في ما يتعلق بمحيطها وأفكارها وممارساتها السياسية وحتى أفكارها.

فمنذ بداية الرواية ومن خلال صديقين للطفولة هما جان تشارلز وفيليب، يورّطنا بانون في واقع متسلسل يبدأ من “أكثر العقود إثارة في العالم حتى الحرب الأخيرة”، ويتابع “من خلال مناقشات بطليه تتابع تطور أجزاء العالم الخمسة” ومآلات الصراعات العالمية. وحتى النهاية، سيؤمن فيليب بأن هناك معجزة ستحدث لتلافي الصراع، بينما يؤمن تشارلز بالكارثة الوشيكة، فبالنسبة إليه العالم يمشي على رأسه، وهو ذاهب إلى خسارته ولا أحد يمكنه منعه.

“بالطبع العالم يتغيّر لكن للأسف ليس للأفضل” كما يقول تشارلز في الرواية. ويقر بأننا قد اعتقدنا دائما أن العلم يوفر الجواب لجميع عللنا وأزماتنا وأن التقدم والتكنولوجيات الجديدة سوف يجعلان حياتنا أسهل ومحببة أكثر، لكن ذلك لم يحدث كما نرى في الرواية. فكل شيء يتم تحويله إلى مصلحة عدد قليل من الناس.

والأسوأ من ذلك تخبرنا به شخصيات الرواية ومنها قول تشارلز “انظر إلى التقدم المحرز في مجال الذكاء الاصطناعي، لقد تحولت بالفعل إلى تطبيقات عسكرية”.

ويكشف الكاتب عن وجوه أخرى للصراع غير تلك التقليدية التي عهدناها سابقا، مبيّنا الدور السلبي للتقدم وتحويل وجهته إلى عنصر من عناصر التصارع والهيمنة بدل أن يكون وسيلة لتحقيق العدالة وتحسين شروط الحياة الإنسانية.

والخوف من احتمال نشوب حرب نووية أصبح موجودا أكثر من أي وقت مضى في مواجهة التوترات التي تحفز الساحة الدولية اليوم. لذا تعكس الرواية التوجس من حرب نووية محتملة، في ظل التوترات التي تشهدها الساحة الدولية اليوم، من خلال تسليط الضوء على “تراجع واضح للولايات المتحدة، وصعود قوي للصين، وطموحات روسيا بالعودة، وما يخلقه هذا الأمر من توترات”.

وفي هذا السياق، يأخذ الكاتب القارئ وراء كواليس القوة، ويجعله يختبر تردّد ومزاج القادة السياسيين في البيت الأبيض، الكرملين، وفي مدينة بكين المحرمة الجديدة، من خلال متابعة تحقيق دولي حول هجوم إرهابي في واشنطن، والذي سينتهي بانفجار نووي.

يشار إلى أن غابرييل بانون، المستشار الاقتصادي لعدد من رؤساء الدول، عمل منذ بداية عملية السلام في الشرق الأوسط إلى جانب الرئيس ياسر عرفات (1994 – 2004). كما أن بانون خبير اقتصادي ومُعلق في الإذاعة والتلفزيون، وهو محاضر أيضا ومستشار دولي. وتم انتخابه كأفضل خبير جيوسياسي للعام 2013 من قبل لجنة من الصحافيين المتخصصين في جنيف.

 

 

Exit mobile version