رسالة كاتب جزائري إلى ماتيس و«زهرته»

عن «دار خطوط وظلال» الأردنية، صدرت أخيراً ترجمة عربية من إنجاز الشاعر والروائي والمترجم المغربي محمود عبد الغني، لرواية «ماتيس في طنجة» للكاتب الجزائري عبد القادر جميعي، الذي أصدر من قبل روايات: «تخييم»، و«محطة الشمال»، و«الأنف على الزجاج»، و«لحظة نسيان».

و«ماتيس في طنجة» هي رواية من الصنف السيري؛ إذ تحكي عن زيارة الفنان التشكيلي الفرنسي هنري ماتيس (1869- 1954) لطنجة، سنة 1912، رفقة زوجته إميلي.

ويسترجع الكاتب الجزائري من خلال روايته رحلة الرسام الفرنسي الشهير إلى طنجة. وهو يخاطب في هذا العمل السردي الرسام، معبراً عن إعجابه بأعماله، متحدثاً عن طنجة وسكانها وألوانها وأضوائها، مستحضراً رسامين آخرين، ومتحدثاً -بشكل خاص- عن اللوحة التي رسمها ماتيس بعنوان «زهرة على سطح البيت».

وبالنسبة لعبد الغني، فإن الترجمة العربية لهذه الرواية التي صدرت في 2010 عن دار النشر الفرنسية «لوسوي»: «ستظل متعة أدبية وفنية نادرة». وقد كتب في تقديمه لها، أن «لوحة واحدة فقط للفنان التشكيلي الفرنسي عنوانها (زهرة على سطح البيت) كانت كافية لجذب الروائي الجزائري. جذبته نحو امتداداتها الفنية، نحو تساؤلات طرحها كاتب غير متخصص في فن ماتيس؛ لكن اللوحة انتصرت، وأطرت سرداً شيقاً ومفيداً من الغلاف إلى الغلاف.

فهل كل من يعرف ماتيس يعرف (زهرة على سطح البيت)، ومن يعرف (زهرة على سطح البيت) يعرف ماتيس؟ هذا هو الانطباع الذي سيخرج به قارئ هذه الرواية». وهكذا، فخلال قراءة الرواية، يضيف عبد الغني: «تلوح أمام القارئ، في الأفق، لوحات (زهرة)، تنتشر وتتمدد لمحات وجهها الحادة، كما تتسلل بين اللوحات والأعلام الفنية والأدبية التي تزخر بها الرواية، طفولة الكاتب نفسه في مدينة وهران. إن التفكير السردي هنا يذهب في ثلاثة اتجاهات: اتجاه الفن، واتجاه الأدب والكتابة، واتجاه الذات. تتناوب الاتجاهات على السرد، فتختلط المعرفة الفنية بالأدبية بالتذكر، وهذا ما أنتج توتراً خاصاً في هذه الرواية الشيقة».

ولأن الرواية مليئة بأسماء الفنانين والمدارس الفنية والشخصيات الأدبية، فقد عمد المترجم إلى وضع هوامش أسفل الصفحات. ومما نقرأ فيها: «سيدي العزيز ماتيس، أردت الحديث معك والكتابة إليك؛ لأنني أحب فنك، ولأن جدي من جهة والدي كان يشبهك جسدياً. كان يُسمَّى ميلود، وكان بنفس بدانتك. رأيت إحدى صورك بالأسود والأبيض؛ حيث كنت واقفاً على صخور شاطئ طنجة، واضعاً كفك على خصرك الأيمن. يوجد خلفك قصر عتيق ومسجد بمئذنتين. في ذلك اليوم كنت تضع عمامة وجلابية شبيهة بجلابيتي. أنت حفيد أحد النساجين، وهو فلاح سلب منه المستعمر أراضيه. كان والداك يفاوضان في البذور ويتاجران في الصباغة، في بوهان-أون-فيرماندواز. وفي كاتو-كومبريسيس، صدرت عنك أول صرخة في آخر يوم من سنة 1869. فان غوغ، الشمسي، ولد في الجهة الأخرى من الحدود. واحد وثلاثون سنة تفصل بينك وبين جدي.

كان قد غادر قرية تافراوي؛ حيث ولد سنة ألف وتسعمائة، ليلتحق، على بعد ثلاثين كيلومتراً منها، بوهران ومينائها بساعته الحجرية ذات العقربين الأسودين».

استقر بحي «سيتي بوتي»، وجمع أسرته في بيت من الآجُر مفتوح للنمل، والعظاءات والمطر أحياناً. واجهته تختلف عن واجهات البيوت الأخرى؛ خصوصاً عن العمارة الجميلة المتوسطة التي في ملكية «بيبي كلانتيكا».

«لم تكن في بيتنا مياه جارية، كهرباء، هاتف، والمراحيض كانت في الساحة. مصنوعة من هنا وهناك، متكونة من ثلاث حجرات. كانت العمارة تتماسك، ببوابتها الخشبية، منتصبة بمعجزة في 14 من شارع (تارديو). بيت مربع تقريباً مثل لوحتك (زهرة في سطح البيت) التي تثيرني كثيراً. هناك ولدت، في بيت الأوراق الميتة؛ حيث كبرت بين مخفر الشرطة الذي بلا نوافذ، وشجرة تين تعطي ثماراً عديمة الطعم ومليئة بالزغب».

Exit mobile version