كتب

«الرهائن السياسيون في الأندلس» يرصد 180 عاما من الصراع بين المسلمين والإسبان

للباحثة منة الله صبحي

كان من قدر المسلمين في الأندلس أن يؤسسوا حضارتهم المزدهرة طيلة ثمانية قرون في ظل حروب لا ترحم مع الممالك الإسبانية المسيحية التي أعلنت حركة الاسترداد على المسلمين منذ اليوم الأول لدخول المسلمين لشبه جزيرة الأندلس، وكان طبيعيًا أن يسقط القتلى وتزدحم معسكرات الاعتقال بالأسرى والرهائن بين الطرفين.

لكن هنا لابد من التفريق بين أسرى الحروب العادية وبين الرهائن السياسيين، الذين كانوا يواجهون صنوف الإذلال، وقد ينتهي بهم الحال إلى القتل أو الاستعباد، والسعيد منهم من يحالفه الحظ فيحرر نفسه بعد دفع الفدية، أما الرهائن فغالبًا ما كانوا يؤخذوا من علية القوم للوفاء بتوقيع هدنة أو خلال تسليم المدن، حيث يحررون بمجرد تحقيق تلك البنود.

هذه الفكرة كانت محور الكتاب الجديد الذي يحمل عنوان “الرهائن السياسيون في الأندلس في عصري المرابطين والموحدين (484-668هـ/1091- 1269م) كظاهرة تاريخية سياسية”، للباحثة منة الله صبحي، باحثة دكتوراه في التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية

والرهينة تعنى القبض على شخص ذو مكانة وأخذه قهراً ثم تقييد حريته؛ من أجل الحصول على بعض المطالب السياسية أو كضمان للخضوع والولاء للطرف الأخر، وهو أيضًا نوع من بسط الهيمنة السياسية فقد خاضت دولتي المرابطين والموحدين العديد من المعارك مع الممالك الإسبانية النصرانية، وأيضاً مع القوى الإسلامية الثائرة في الأندلس التي أسفر عنها أخذ رهائن بالنسبة للطرف الغالب لتنفيذ مطالب سياسية معينة أو للخضوع والولاء .

وتضيف الباحثة منة الله صبحي أن دولة المرابطين من أعظم الدول التي بسطت سيطرتها على المغرب والأندلس، حيث قامت فكرتها على جهاد الممالك الإسبانية، ونجح المرابطون في تأسيس دولة قوية مترامية الأطراف في المغرب الأقصى، وكانت الأندلس في ذلك الوقت تعانى من التفكك وضياع المدن واحدة تلو الأخرى في أيدي الإسبان،  فبعد أن سمع ملوك الطوائف في الأندلس بدولة المرابطين الفتية لم يجدوا أمامهم سوى الاستنجاد بالمرابطين لتخلصيهم من أيدى الإسبان، وبالفعل استجاب المرابطون لدعوة إخوانهم في الأندلس وحققوا نصرًا عظيمًا في موقعة الزلاقة سنة 479هـ/1086م بقيادة أمير المرابطين “يوسف بن تاشفين”.

وبعد هذا الانتصار عاد ملوك الطوائف بالأندلس لسيرتهم الأولى والتعامل مع “الفونسو السادس” ملك قشتالة ودفع الجزية له، فقرر يوسف بن تاشفين القضاء على ملوك الطوائف بعد أن أدرك أن هؤلاء الملوك سوف يكونون سبباً في ضياع الأندلس فقرر الزحف بجيوشه للأندلس والقضاء على  هؤلاء الملوك بوضع بعضهم رهن الإقامة الجبرية في المغرب، ثم استولى على الأندلس وحافظ على رقعة الإسلام فيها، كما نجح خلفاء يوسف بن تاشفين في مناصبة العداء للممالك الإسبانية النصرانية، ودخلوا في حروب طاحنة نتج عنها أخذ رهائن للمساومة على تنفيذ اتفاقيات أو أمور سياسية.

ثم حلت محل دولة المرابطين دولة أخرى وهى دولة الموحدين، التي نجحت في القضاء على دولة المرابطين في المغرب والأندلس، ودخل خلفاء الموحدين في ذات الصراعات مع الإسبان، ونشبت العديد من المعارك الفاصلة لاسيما موقعه الأرك الشهيرة عام (591هـ/1195م) بقيادة الخليفة “يعقوب المنصور الموحدي”، وكأي حرب نتج عنها أخذ رهائن ضماناً للخضوع والولاء لدولة الموحدين، ثم بعد ذلك جاءت هزيمة العقاب عام 609هـ/1212م التي تعتبر بداية النهاية لدولة الموحدين، فلم يقم لدولة الموحدين بعدها قائمة، ولم يقتصر الصراع بين الموحدين مع النصارى فقط، بل شمل أيضاً الصراع مع الممالك الإسلامية الموجودة بالأندلس.

ونتج عن هذا الصراع أخذ رهائن، ثم بعد ذلك قامت الحركات الاستقلالية في الأندلس فكان كل والٍ يستقل بما لديه من مدينة وتخاذل أمراء الموحدين وعقدوا اتفاقيات مع الممالك النصرانية انتهت بتقديم رهائن كضمان لتنفيذ الاتفاقيات المعقودة، الأمر الذي جعل مدن الأندلس تسقط واحده تلو الأخرى في أيدي النصارى، وانتهت دوله الموحدين وتركت الأندلس تُعانى من فراغ وجود أبطال يحمونها ويدافعون عنها، وسقطت المدن الأندلسية الكبرى، وبقيت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس تزود عن الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية لأكثر من قرنين ونصف من الزمان حتى سقطت عام 897هـ/ 1492م .

تقول الباحثة:”كان هدفي من الكتابة في هذا الموضوع هو معرفة ماهية الرهائن والغرض من اتخاذهم ودراسة الأوضاع السياسية في الأندلس وتأثيرها في سياسة اتخاذ الرهائن، وأيضَا معاملة هؤلاء الرهائن، وهل حققت سياسة اتخاذهم الأهداف السياسية المنشودة”.

ينقسم الكتاب إلى مقدمة وبابين،  تم تخصيص الباب الأول لدراسة الرهائن السياسيين في عصر دولة المرابطين لاسيما فترات حكم يوسف بن تاشفين وعلي بن يوسف بن تاشفين وحتى سقوط دولة المرابطين في الأندلس وقيام دولة الموحدين، أما الباب الثاني فخُصص لدراسة الرهائن السياسيين في عصر دولة الموحدين، لاسيما فترات حكم الخليفة عبد المؤمن بن على، والخليفة يوسف بن عبد المؤمن، والخليفة يعقوب المنصور وحتى نهاية دولة الموحدين، واشتملت الخاتمة على أهم النتائج التي توصلت لها الدراسة.

 

 

الحياة العربية

يومية جزائرية مستقلة تنشط في الساحة الاعلامية منذ سنة 1993

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى