أعمال عبد الحميد بن هدوقة مرآة عاكسة لانشغالات وطموحات البسطاء

تحل هذا العام الذكرى ال25 لرحيل مؤسس الرواية الجزائرية باللغة العربية عبد الحميد بن هدوقة الذي فتح  بروايته الشهيرة “ريح الجنوب”  الطريق امام المبدعين لتقديم اعمال روائية متميزة بالعربية وتزامنا مع هذه الذكرى احتفت الدورة السابعة من جائزة “كتارا” للرواية العربية بهذا لأديب الجزائري المعطاء ليكون شخصية العام في إطار التقليد السنوي للجائزة منذ 2016 الذي يحتفي سنويا بشخصية أدبية عربية “تركت بصمة واضحة في مسيرة الأدب العربي”.

كما عرفت بداية هذه السنة تنظيم وزارة الثقافة والفنون لندوة وطنية حول أعمال الروائي عبد الحميد بن هدوقة بعنوان “الرواية الجزائرية من التأسيس إلى التكريس” احتضنتها المكتبة الوطنية بالحامة بالجزائر العاصمة من 9 الى 11 يناير المنصرم احتفاء بهذا الكاتب الفذ الذي شكلت أعماله “طفرة في السرد الجزائري” وتعتبر كتاباته “أعمالا تأسيسية” في الكتابة باللغة العربية.

ترك الراحل أعمال أدبية ثرية متنوعة وكان قد بدا مشواره بالكتابة في الصحف التونسية منذ عام 1951 هذا البلد الذي درس فيه وعاد للإقامة به تحت ضغط الاستعمار وملاحقته له بسبب نشاطه السياسي ضمن حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية ، وفي عام 1952 نشر بن هدوقة أول نص شعري له بعنوان “حامل الأزهر” لكن رغم بدايته الشعرية الا انه اشتهر أكثر برواياته وابداعاته الأخرى.

يزخر المشوار الأدبي لبن هدوقة بإنجازات ثرية ومتنوعة وذلك منذ صدور روايته الاولى “ريح الجنوب” سنة 1971 التي اقتبسها الراحل سليم رياض إلى فيلم تلفزيوني لقي اقبال جماهيريا كبيرا، تبتعها اعمال اخرى من بينها “نهاية الامس” (1975) و”ابن الصبح” (1980) وكذا “الجازية والدراويش” (1983) و”غدا يوم جديد” 1997.

كما كتب بن هدوقة ايضا القصة القصيرة ونصوص مسرحية وترجمت اعماله الى عدة لغات. وللروائي كذلك تجربة مهمة في مجال الترجمة حيث قام بترجمة العديد من الأعمال على غرار دراسة للمحامي الفرنسي جاك فرجيس بعنوان “دفاع عن الفدائيين” سنة 1975.

إلى جانب الإبداع الأدبي عمل بن هدوقة في عدة مجالات ثقافية وإعلامية بعد عودته الى الجزائر في 1962 حيث التحق بالإذاعة والتلفزيون في قسم الإخراج (1962-1963) ثم أصبح منسقا عاما للمصالح الفنية ومسيرا للبرامج ومدير للإذاعتين العربية والامازيغية من 1966الى 1970. وفي اواخر الثمانينات عين بن هدوقة مديرا للمؤسسة الوطنية للكتاب ثم أمين عام مساعد لاتحاد الكتاب الجزائريين ورئيس المجلس الأعلى للثقافة (1990-1993).

ولد الراحل في 9 يناير 1925 في قرية الحمراء ببرج بوعريريج بدأ تعليمه في كُتاب والده حيث درس مبادئ اللغة العربية وحفظ أجزاء من القرآن الكريم وواصل الدارسة في معهد الكتانية بقسنطينة قبل الالتحاق بجامع الزيتونة بتونس حيث نال شهادة التحصيل، إلى جانب دراسته في معهد الفنون الدرامية الذي تحصل منه على شهادة في التمثيل العربي.

توجه بن هدوقة نحو الكتابة الروائية والقصصية لأنه وجدها ملائمة للتعبير عن قضايا وإرهاصات كانت بداخله، فكتب عن الواقع الجزائري في تجلياته المختلفة انطلاقا من البيئة الريفية التي تربى فيها وعان من اضطهاد المستعمر، كما تطرق في كتاباته الى التحديات التي واجهتها غداة الاستقلال، من خلال قضايا انسانية وكانت ذلك بالخصوص في القصص القصيرة.

نشر أولى رواياته، “ريح الجنوب”، التي تعتبر أول رواية فنية جزائرية، أطلق على صاحبها لقب “مؤسس الرواية الجزائرية”. واهتم الاديب في اعماله الروائية بالقضايا الوطنية والاجتماعية، وجعل محورها يدور حول المرأة والأرض، مبرزا معاناة السكان وكانت أبطالها متمردون مشبعون بأفكار جديدة رافضة للأوضاع القائمة مصرون على الإصلاح والتغيير. ووظف بن هدوقة في أعماله الروائية اللاحقة التراث والرمز كما في روايته “الجازية والدراويش” وهي قصة رمزية تعكس أبعاد التحولات الاجتماعية التي تعيشها إحدى القرى الجبلية، وجعل أحداثها تدور حول فتاة غامضة مثقلة بالدلالات.

نالت أعماله اهتمام الباحثين والأكاديميين على غرار عمر عيلان الذي اصدر كتاب “الإيديولوجية وبنية الخطاب في روايات عبد الحميد بن هدوقة “(2001) والدكتور عبد الحميد بوسماحة “الموروث الشعبي في روايات عبد الحميد بن هدوقة (2008) وكتاب الدكتور سيدي محمد بن مالك “رؤية العالم في روايات عبد الحميد بن هدوقة”.

 

نسرين أحمد زواوي

Exit mobile version