أساتذة باحثون: مالك بن نبي جمع بين الفكرين الإسلامي والعالمي و”هندسه” بوعيه الفائق

أكد أساتذة باحثون بقسنطينة أن المفكر مالك بن نبي، الذي يعد أحد رواد نهضة العالم المعاصر، قد جمع بين الفكرين الإسلامي والعالمي و”هندسه” بوعيه الفائق مقدما تصورا عن مشروع متكامل شخص من خلاله المشكلات الحضارية وحدد فيه العناصر الأساسية لإصلاح المجتمعات.

وفي إطار إحياء الذكرى التاسعة والأربعين لوفاة هذا المفكر المبدع الذي ورثت عنه الأجيال تراثا فكريا كبيرا لا يزال يساهم في تنوير العقول، أكد أساتذة مختصون في الفلسفة والتاريخ الحديث والمعاصر أن مالك بن نبي كان من بين أعلام الفكر الإسلامي والعالمي في القرن العشرين، حيث كرس حياته لدراسة ومعالجة العديد من المشكلات والقضايا المعاصرة أبرزها ”نمووأفول الحضارة، فقدم منهجا نموذجيا خالدا في تحليل إشكالية المجتمعات الإسلامية الحديثة معتمدا فيه على نظريات علم النفس والاجتماع والدروس المستقاة من التاريخ”.

وفي حوار خصت به وكالة الأنباء الجزائرية، أفادت الأستاذة الباحثة في الفلسفة بجامعة عبد الحميد مهري – قسنطينة 2 ، الدكتورة نورة بوحناش، أن “المفكر مالك ابن نبي ولد في ظرف كولونيالي (استعماري) وترعرع فيه” كما أن فكره انبثق في “فضاء إنساني حساس في فترة الهيمنة الاستعمارية، حيث كان يسود منطق الظلم وهضم العديد من الحقوق وكان مدركا في نفس الوقت أن الشعوب في الدول المتقدمة تعيش في أوطناها على تقديس مبادئ الإنسانية والمواطنة”، مشيرة إلى أن “كلتا الحالتين دفعته للتساؤل عن الوضع الحضاري الذي أحدث هذه الاختلالات وأدى إلى سيطرة حضارة بعينها على ثقافات إنسانية”.

وأضافت ذات المتحدثة أن ما يهم مالك بن نبي هو نهضة العالم الإسلامي ورجوعه إلى سابق عهده من التطور الحضاري الذي جعله سيدا في وقت مضى لذلك شخص عمق قضية ”واقع المجتمع الإسلامي” عبر مقاربة جسدها في كتابه ”الظاهرة القرآنية”، فاعتبر أن عقيدة التوحيد هي المبدأ الذي تأسست عليه الحضارة الإسلامية.

..المنحنى الحضاري للأمة الإسلامية .. هندسة فلسفية ووصف لحال المجتمع

من جهته، ذكر الأستاذ المختص في سيرة وأبحاث مالك بن نبي بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، الدكتور البشير قلاتي، أنه سلط الضوء على أزمة الحضارة في كتابه الأخير ”ما بعد مالك بن نبي – نحو تجديد الفكر الحضاري في مواجهة تحديات القرن 21” الصادر في 2019 عن دار الأصالة، حيث اعتبر أن هذا الكتاب يمثل “إسقاطا تحليليا على واقع المجتمعات الحالية وامتدادا لمخطط مهندس فلسفي ناضل بفكره ضد المستعمر وأسهم بطريقته في تحرير العقول محاولا على طريقة الآباء الروحيين للثورات التحررية إحداث نهضة حضارية من أجل الرقي بالشعوب”.

وأضاف ذات المتحدث أن التحديات الحاصلة في الوقت الراهن كان قد أشار إليها مالك بن نبي في ما أسماه بـ ”المنحنى الحضاري” الذي أعده في كتابه ”وجهة العالم الإسلامي”، حيث رسم خطا لامتداد هذه الحضارة في شكل منحنى يبدأ بمرحلة الروح وهي مرحلة ازدهار هذه الأمة، ثم يواصل تصاعده ويستقر عند الذروة التي أسماها بمرحلة العقل التي وصفها بمفترق الطرق ومحاولة الثبات على القيم في عصر الحداثة قبل أن يتطرق لنزول خط المنحنى إلى مرحلة الغريزة والانحطاط التي كان يحذر منها المفكر الجزائري بن نبي وهوما وقف عليه الدكتور مقلاتي في مؤلفه الأخير.

كما أكد هذا الأستاذ الباحث أن مالك بن نبي كان يلهم السياسيين ويمهد لهم الطريق لبناء توجهاتهم وفقا لأسس قوية وذلك عبر مختلف البلدان العربية وحتى الغربية كونه باشر كتابة أول مؤلفاته باللغة الأجنبية ونشر الوعي التنويري والتحرري بشكل ينطبق على مختلف الحضارات والأزمنة.

بدورها، اعتبرت الأستاذة الباحثة في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، الدكتورة فريدة قاسي، أن مالك بن نبي قد أبدع في إعداد “وصفة حضارية” لعلاج المجتمع العربي الإسلامي، حيث أكد أن التقاعس في الزرع الديني الثقافي في مرحلة بناء الإنسان يعد خرقا لمنظومة تشييد المجتمع والوطن كونه يعتبر أن الحضارة بمثابة حماية للإنسان لأنها تضع حاجزا بينه وبين الهمجية.

وأبرزت الدكتورة قاسي أن مالك بن نبي حمل هم العالم الثالث عامة والعالم الإسلامي خاصة، حيث أن ماهية الحضارة، أسباب سقوطها وعوامل رقيها، شكلت بالنسبة له “قضية محورية كونه كان يرقب صدمة الحداثة التي زعزعت العالم الإسلامي وبينت له مدى تخلفه عن الركب الحضاري الإنساني في القرن الماضي، إذ ساهم هذا التخلف في هيمنة العالم الغربي ماضيا، حاضرا واستشرافا مستقبليا، ما جعله يعالج أسباب التفاوت الحضاري الذي أصاب العالم الإسلامي”.

وتطرقت هذه الأستاذة الباحثة في التاريخ الحديث والمعاصر إلى أبرز المعالم التي حددها مالك بن نبي في كتابه ”شروط النهضة” والتي ترتكز أساسا على محاربة الجهل والدروشة والبدع وكذا الوقوف على الاختلالات التي تعاني منها الأمة ومعرفة موقعها من دورة التاريخ لتمكين تحديد عوامل الازدهار والرقي بالإضافة إلى ضرورة التمسك بالنسيج الثقافي الفكري للهوية العربية الإسلامية.

Exit mobile version